الثلاثاء، 16 أكتوبر 2018

إسماعيل فهد بين العنقاء والخل الوفي



نتيجة بحث الصور عن في حضرة العنقاء

يحقق إسماعيل فهد في روايته الجديدة نقلة نوعية ومختلفة ـ أسلوبيا ـ عن رواياته الأخيرة فقد اعتمد السرد التقليدي منهجاً بعيداً عن مشهدية الحوار وآليات العرض السينمائي التي ميزت معظم رواياته السابقة . وقد آثر في هذه الرواية أن يكون الراوي مشاركاً في الحدث معتمداً على ضمير المتكلم وذلك خضوعاً لضرورات ومتطلبات الموضوع ، وبهذا يكون الموضوع قد فرض شكله الذي ينبغي أن يخرج به .
أما عن ضرورات الموضوع فتتمثل في كون الرواية بالمجمل خطاب أب لابنته التي لم يرها . هذا من جهة ، وهي من جهة ثانية تأصيل تاريخي لمواطن يرفض وطنه الاعتراف به ، والرواية بوجهيها هذين تفرض على الكاتب هذا الراوي المشارك ، وتفرض عليه كذلك ضمير المتكلم ، ومَنْ أكثرُ قدرةً على الإقناع من صاحب المشكلة وهو يروي قصته؟
يمهد إسماعيل فهد  لروايته برسم عام عبر مجموعة من الأحداث الصغيرة لنعرف أن الشخصية الرئيسة من غير محددي الجنسية والده متوفى ، وأمه امرأة أنهكها المرض الرئوي، والبحث الدائم عن سبيل يفضي بها إلى عالم المواطَنة، ولذلك لا عجب أن يختار له اسم ( المنسي ) والذي أضاف إليه الفنان محمد السريع لقب ( ابن أبيه ) على سبيل الدعابة فصار علماً له بين الناس ، وكلاهما الاسم واللقب يساهمان وبفعالية كبيرة في تكوين أفق التلقي لدى القارئ بما لهما من دلالات وقدرة على الانزياح في رسم ملامح الشخصية، لكن الرواية لا تكتفي بهذه الدلالات بل تقدم وعبر أحداث ثانوية ما يشي ببعض الأبعاد النفسية لهذه الشخصية ، فأن ينقاد إلى أوامر صقر الرشود كي يلعب دوراً هامشياً في مسرحية وهو مجرد فراش ، وكذلك أن يُخطط له صقر الرشود وعبد العزيز السريع مستقبله من خلال تسجيله في المعهد العالي للفنون المسرحية دون طلب منه ودون معارضة منه، وأيضاً يخططان له لرحلة فيما بعد إلى دمشق ، يجعلنا متيقنين أننا أمام شخصية مسلوبة الإرادة وهذا ما ستؤكده صفحات الرواية القادمة بالمجمل لدرجة أننا نجده ينقاد حتى إلى الزواج انقياداً ، إضافة إلى ذلك نجد أنفسنا أمام شخصية تعيش حالة قصوى من الاغتراب ويكفي أن يكون الشخص في المجتمع الكويتي من طائفة غير محددي الجنسية ( البدون ) ليعيش هذا الاغتراب فكيف إذا ترافق ذلك مع الفقر ؟! بكل تأكيد سيصل الإنسان هنا حالة من انكسار الأحلام تصل به إلى درجة الإحباط ، وتأتي المعرفة هنا لتعزز هذا الشعور وتساهم في دفع المغترب إلى إيجاد حلول ما، فالمنسي كاتب صحفي معروف وهذا يعني أنه يعي تماماً أبعاد أزمته، وحجم مأساته .
 بخلاف الإنسان البسيط الذي يجاهد ـ فقط ـ كي يتأقلم مع الوضع ويتصالح معه فيجسد بذلك حالة من الاستلاب إذ غالباً ما ينتهي الأمر في هذه الحالة بنوع من التصالح مع القوة القاهرة على حسابه الخاص، بحيث يبقى الأمل مجرد شمعة تكاد تنطفئ في أعماق ذاكرة أم مجهدة .
لقد جاء اختيار الكاتب لشخصية ( منسي ) تجسيداً لحالة الإحباط التي تعيشها هذه الشريحة من المجتمع وإذا كنا قد تعودنا المرور على كلمة الإحباط مرور الكرام ، أرى من الواجب التوقف عند هذا المصطلح الذي يعد مؤسِساً لكثير من السلوكيات التي يسلكها الإنسان فيما بعد . فالإحباط هو : ( أي عرقلة أو صد لتحقيق حاجة، أو رغبة أو أمل بسبب ظروف خارجية، يعاش وجدانياً كتفشيل وجودي أو حرمان مادي. يولد الإحباط إجمالاً مشاعر الغبن غير المستحق. وهذه تفجر العدوانية ومشاعر الحقد التي تتوجه إلى الخارج، إلى الموضوع المسؤول عن الإحباط، أو أي موضوع بديل، أو هي ترتد على الذات على شكل قسوة عليها ،الإحباط إذا يُولِّد مشاعر العداء أو مشاعر القهر والمهانة )[1]  وفي موضوعنا من السهل جداً اكتشاف أن ابن أبيه يعيش هذا التفشيل الوجودي والحرمان المادي ضمن إطار المجموعة الثانية من المشاعر ، مشاعر القهر والمهانة ، إذ من اليسير ملاحظة بعض سلوكيات زملائه في المدرسة ، وأيضاً إلحاح المشرف الاجتماعي عليه لإحضار ولي أمره ومن ثم رصد أحاسيسه تجاه ملبسه الوحيد وانتهاء بموقف سعود وأخته منه ، فشخصية المنسي شخصية تعيش وجوداً مزيفاً حد تعبير هايدغر Martin Heidegger ( 1889 ـ 1976 ) الذي يرى أن الوجود المزيف هو الوجود الغارق في الحاضر (    الذي تحدده الاعتبارات والعادات ، لا اختيار الإنسان نفسه بنفسه ، وبإدراك تام للأوضاع الإنسانية الأساسية ، إذ يكون الإنسان مغترباً عندما يتخلّى عن حق الاختيار ويهرب من ذاته والأزمات ويعيش في حالة من الزيف ، ويغرق في الحاضر وفي عالم الآخرين، فينفي وجوده ويصبح " واحداً من الآخرين " بكلام آخر يعيش الإنسان وجوداً اغترابياً بقدر ما يمتثل للعادات وتوقعات الآخرين ويفشل في تحقيق وجوده الأصيل ، في هذه الحالة يصبح الإنسان شخصاً آخر لا نفسه )[2]. وقد تجلى ذلك من خلال انغماس المنسي انغماساً كلياً في المقاومة ليؤكد ـ لاشعورياً ـ انتماءه الوحيد إلى هذا الوطن ، وهو إذ يمارس هذا الانتماء فإنما يمارسه إرضاءً لذاته فقط ، بدليل برودة تعامله وحياديته تجاه الملف الذي كان الشغل الشاغل لأمه طيلة حياتها والهم الوحيد لها طيلة حياتها أيضاً في حين أن المنسي غلفه بغلاف يحفظه وفقط . لم نلحظ عنده هذا الانهمام به .
لقد امتثل المنسي لرغبات الآخرين في مجمل سلوكياته اليومية ، منقاداً لهم باستسلام اغترابي شديد ، وإن كان ذلك يتم أحياناً برغبته وأحياناً رغماً عنه. فهل أرادت الرواية أن تقول أن هذه الفئة من الناس فئة تؤجل إرادتها الحرة إلى حين الحصول على بطاقة الهوية ؟ وهل أرادت الرواية القول أن هذه الفئة من الناس فئة ذات وجود مؤجل ؟ بالتأكيد سنظلم الرواية إن قلنا نعم فالمنسي في نهاية الأمر فرد ، ومهما حاول الروائي ـ أي روائي ـ أن ينمذج شخصية لايمكنه في نهاية الأمر إلا أن يصب فيه بعضاً من السمات الفردية للإنسان ، وإذا كان المنسي ممن ينتمون إلى الشريحة الثانية من المحبطين والذين تولدت في نفوسهم مشاعر القهر والمهانة واستسلم لها فثمة شريحة ربما أوسع ممن ولّد عندهم الإحباط مشاعر العداء وللعداء سلوك آخر .
وتأكيداً على فردانية المنسي يجعل الكاتب له هواية تكاد تكون فريدة وهي جمع قصاصات الجرائد وتصنيفها في ملفات ، تتعلق بشخصيات عامة في البلد وثمة إشارات إلى البعض من هذه الشخصيات الذي يمارس نوعاً من الفساد. وإذا كان ( منسي ) قد رفض الإفصاح عن الغاية من جمع هذه القصاصات وتصنيفها إلا أن سياق الرواية يفضي إلى أن هذا المنسي لاينتمي إلى هذا الوطن وحسب وإنما يعيش هذا الانتماء في حين أن بعض من يتشدق بالانتماء ينتمي في واقع الأمر إلى الدينار وليس إلى الوطن . فالاهتمام المبالغ به في جمع هذه الملفات إنما يعكس في واقع الأمر رغبة دفينة في عيش الحاضر من خلال توثيق دقيق لحيوات أبنائه ، وهي تعكس أيضاً أملاً مخبوءاً بولادة وطنية يوماً ما ، فإذا ما تحقق هذا الأمل يكون منسي جاهزاً للخوض في الواقع المعاش للوطن .
من ناحية ثانية يمكن أن نعد هذه الهواية شكلاً من أشكال الدفاع للمحبَط المغترب كي يؤكد لنفسه على الأقل أنه يتمتع بإرادة خاصة ويعيش حاضره ـ كما ذكرنا ـ وقد عزز هذا الجانب قراره بالكتابة لابنته ،  إذ أن مجرد الكتابة لها هو توثيق رسمي لحاضر عاشه قبل أن يكون رغبة أب بتبرير غيابه عن ابنته، وقبل أن يكون اعتذاراً لها على تفريطه بها، ولتأكيد صدقية هذه الوثائق يلجأ الكاتب إلى استخدام الأسماء الحقيقية لكثير من الشخصيات الواقعية التي مايزال الكثير منها يعيش بيننا ، لقد أرادهم الكاتب شهوداً حقيقيين كبرهان ودليل ، واستخدام هذه الأسماء ذو فائدة مزدوجة بالنسبة للشخصية الرئيسة في الرواية ( منسي ) فهو من جانب استخدام يهدف لأن يكونوا شهود عيان على وطنيته وانتمائه الأصيل ، ومن جانب آخر هم من سيشهد لزينب على صدقية أبها ،رغم أننا نجدها في الفصل الأخير  تمنح أباها صك الغفران حيث تدرك أن مجمل الظروف التي عاشها كانت أقوى من أن تسمح له بأي فعل . وهو الذي لا يتردد بوصف نفسه بـ ( الغائب الحاضر  ) الغائب بالإرادة الحاضر بالجسد .
تقنية الاستباق في البنية الحكائية للرواية :
في كثير من الأحيان لاتمنحك الذاكرة نفسها ، فقد تجود عليك أحياناً وتبخل عليك أحياناً ، وأن تستعيد حكاية عشتها وخرجت منها قبل سنوات لكنها ماتزال تسكنك فهذا يعني أنك كثير التأمل فيها ، وفي التأمل تكثر الأمنيات عبر استخدام ( لو ) أو ( لولا ) ولهذا يعترف الكاتب ( منسي ) بصعوبة إعادة ترتيب الحكاية فقد مرت سنوات طويلة وهو يحاول إلى أن قرر أخيراً أن يكتبها عبر أسلوب التداعي الحر ( خبط عشواء ، غير ملزم بتسلسل الأحداث حسب المنطق المعتاد لتواليها ، منساقاً لتداعي لحظتها الآنية ) وبالتالي وجد لنفسه مخرجاً تقنياً من صعوبة وضع مخطط درامي للأحداث لكن هذا لم يمنع من أن الرواية جاءت بتنسيق زمني حسب المنطق المعتاد لتواليها ، إلا أن أسلوب التداعي الحر سمح للرواية بأن تكثر من تقنيتيْ الاسترجاع و الاستباق فإذا كانت تقنية الاسترجاع تسمح بتسليط الضوء على شخصية أو حادثة ما فإن تقنية الاستباق تكسر أفق التوقع لدى المتلقي و ترفع من حدة التوتر وبالتالي تساهم في ترسيخ عنصر التشويق في العمل وهو تشويق ليس إلى معرفة النهاية وإنما إلى الآلية التي سارت بها الأحداث كي توصل إلى هذه النهاية، وهذا ما يجعل القارئ مشدوداً إلى سطور النص أكثر ، ففي زيارة المنسي إلى دمشق وتعرفه على زوجة المستقبل ( عهود ) وهي امرأة ذات تجربة سابقة بالزواج ،نجده وقد أخذته إلى غجرية عرافة حيث تنبئها بطلاق جديد. فإذا كنا نذكر أحداث ( قصة موت معلن ) سنجد أن ماركيز لعب وبذكاء شديد على هذه التقنية حيث جعل أبناء البلدة جميعاً ومعهم القتيل ، وأيضاً القارئ يتأكدون من مقتل ( سانتياغو نصار ) ومع ذلك يتصاعد عنصر التشويق لدى المتلقي لمعرفة الجواب على السؤال الأكثر إلحاحاً على ذهنه ( كيف ومتى ؟ ) . كذلك مارس إسماعيل فهد التقنية ذاتها فبدءاً بالصفحة الأولى يعرف القارئ أن الكاتب يكتب لابنته وأن الكاتب غير متأكد من أنه سيراها قبل موته ، وسيعرف القارئ لاحقاً أن الكاتب لم ير ابنته على الإطلاق إلا في الحلم وبالتالي سيبني المتلقي أفق التوقع بدقة إذ سيتأكد من أن منسي سيتزوج عهود وسينجبان زينب وسيقع الطلاق ، لكن يبق السؤال ذاته معلقاً ( كيف ومتى ؟ )  . وسيعود الكاتب ثانية لاستخدام تقنية الاستباق عبر الحلم الذي راوده ذات ليلة ، إذ نجد الرواية في نهايتها تفسر رموز الحلم تأكيداً على حصولها .
بعد عودة المنسي من دمشق ، تسير الرواية وفق تسلسل زمني يتوافق مع التوالي المنطقي للزمن حيث نرى الأحداث تتابع وتتلاحق بدءاً بالزواج وصراع عهود مع شقيقها سعود أولاً ثم الاجتياح العراقي للكويت ودور المنسي في المقاومة ومن ثم تحرير الكويت واعتقال المنسي ثم خروجه وطلاقه . إلا أن هذا التوالي الزمني يبقى في حالة من عدم الاستقرار ، ويبقى مشوهاً في ذهن القارئ وذلك بسبب هذه اللعبة الاستباقية التي مارسها الكاتب ، وإذا استثنينا المرة الأولى التي يخاطب فيها المنسي ابنته ـ تبدأ الرواية بـ ( يازينب ) ـ فإن كل ذكر لزينب بعدها يخلخل في ذهن القارئ هذا التسلسل الزمني ، إذ سينقل المتلقي مباشرة من زمن الحدث وهو الماضي إلى زمن الكتابة وهو الزمن الحاضر ، وما نلبث بعد الانتهاء من قراءة ( يازينب ) حتى نعود إلى زمن مضى .
وإذا كانت البنية الحكائية تتناول في بعدها الشكلي هذه التقنيات فإنها في بعدها المضموني تطرح السؤال الأهم بالنسبة للرواية ككل ويتجسد هذا السؤال في ذهن المتلقي ربما قبل انتهائه من القراءة :
 ( ما الذي ينقص الإنسان كي يكون مواطناً ؟ )
بصبر وأناة وحرفية كلاسيكية يرسم إسماعيل فهد الكثير من التفاصيل الحياتية ليمنح هذا المنسي أكبر قدر من التعاطف وليضع المشكلة برمتها أمام أصحاب الحل والربط . فمنسي ابن الكويت مولود فيها وتكون وجدانه الوطني على نشيدها أثناء دراسته فيها ، ساهم في حركتها الثقافية وناضل لأجلها أثناء محنتها الكبرى التي هددت وجودها، واعتقل في سجون المحتل وكان له دوره الفعال في ( إذاعة المقاومة ـ إذاعة بو فهود ) ومعه من الوثائق مايثبت أن والده ووالدته كانا ممن شملهم تعداد العام 1965 ، ومع ذلك يبقى خارج الاعتراف الوطني . ما الذي يريده الوطن ـ أي وطن ـ أكثر من ذلك ؟
في المقابل تطرح الرواية جانباً على غاية من الأهمية يتمثل في المكافأة التي نالها المنسي مقابل حبه لهذا الوطن وقبل الخوض في هذا الجانب يجب أن نميز بين شريحتين اثنتين تمثل كل منهما نموذجاً في التعاطي مع المشكلة .
الشريحة الأولى تتمثل في أسماء محددة ( صقر الرشود ـ فؤاد الشطي ـ عبد العزيز السريع ومحمد السريع ـ سليمان الياسين ـ مبارك سويد ـ ويمكن أن نضيف أيضاً شخصية القاضي صلاح الفهد ) هؤلاء يمثلون الجانب الإنساني المشرق الذي جعل من المنسي يقول لابنته زينب ( الفن موقف إنساني يبدو شخصياً أحياناً ) في معرض الحديث بين صقر الرشود وعبد العزيز السريع عن ضرورة إكمال المنسي لدراسته ، فما الذي جعله يطلق هذا التعريف للفن ؟ لولا فيوض إنسانيتهم عليه .
في هذه الشريحة نجد الحياة بأبسط أشكالها ونجد الانتماء في أبهى صوره ونجد التضحية الخالصة لوجه الإنسانية والوطن ، دون السؤال عن مقابل .
أما الشريحة الثانية فتتمثل أولاً بشخصية سعود وثانياً بشخصية عهود ، إذ يمثل سعود شريحة النخبة الثقافية الانتهازية بينما تمثل عهود في موقفها من البدون شريحة لها حضورها النسبي ضمن المجتمع الكويتي ، وفي حين ارتكب سعود بشكل أو بآخر خيانة للوطن من أجل مصالحه الخاصة ، نرى عهود ترتكب خيانة لزوجها إذ تتخلى عن كل خلافاتها مع أخيها سعود وتتخلص من زواجها استجابة لرغبة أخيها الذي أقنعها أن البدون طرف إلى جانب الاحتلال، هذا من جانب ومن جانب آخر فقد حققت حلمها بطفلة تربيها ، وكأنما كانت تضمر في داخلها أن هذا الزواج برمته مجرد وسيلة لهدف تم تحقيقه، وربما تكون نبوءة العرافة قد ساهمت بتشكيل أو توضيح هذا البعد الأناني في شخصية عهود . نعود إلى المكافأة التي نالها هذا ( البدون ) نتيجة وطنيته غير المعترف بها . فما إن تحررت الكويت حتى سارع سعود بالإبلاغ عنه مما أدى إلى اعتقاله وسجنه ، ولولا تدخل الشريحة الأولى ممثلة بالقاضي صلاح الفهد لبقي في سجنه سنوات وسنوات .
هذه المكافأة تخفي بين ثناياها جانباً سيكولوجياً أبعد بكثير من الجوانب القانونية للمشكلة تتمثل في نظرة الاستعلاء التي تعيش عليها شريحة واسعة نسبياً في المجتمع الكويتي فأسباب الحرب التي شنها الدكتور سعود على المنسي لا تتوقف عند رغبته فقط في وضع يده على تركة أبيه وإنما أيضاً قناعته أنه ذو مستوى اجتماعي أرفع بكثير من هذا ( البدون ) الموقف ذاته كرره سعود مع أخته جود التي تزوجت طبيباً سورياً أثناء إقامتها في دمشق للدراسة ، الفارق فقط أن جود تنازلت عن حقوقها وتركت الكويت إلى غير رجعة ، أما عهود فهي تعيش في الكويت .
إن كل التبريرات التي يقدمها سعود لرفضه هذا الزواج تتعلق بهذه النظرة الاستعلائية ، ووحده المال يستطيع أن يجعله يتنازل عن هذا الكبرياء المزيف مثلما رأينا في سلوكه مع أخته جود . ولأن عهود تحب المال أكثر منه ولم تتخلى عن حصتها في تركة أبيها ، نراه لايوفر وسيلة أخلاقية أو غير أخلاقية إلا ويستخدمها لنسف هذا الزواج .
لقد استطاع إسماعيل فهد بحق أن يقدم لنا صورة متكاملة عن المجتمع الكويتي بكل جوانبه المشرقة منها والمعتمة ، وإذا كان قد نمذج بعض الشرائح الاجتماعية عبر شخصيات الرواية فإن النموذج الذي أولاه كل العناية هو النموذج الممثل بمنسي ( غير محدد الجنسية ) لتأتي الرواية صرخة حق مؤلمة تعكس الجانب الإنساني الجميل لدى كاتب كويتي يعز عليه أن يرى حقوق الإنسان مثلومة في بلده .

                                                                                                                 عبد الرحمن حلاق 



[1] التخلف الاجتماعي ، مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور ، ، د. مصطفى حجازي، المركز الثقافي العربي، المغرب ط9 2005، صـ134
[2] الاغتراب في الثقافة العربية ، حليم بركات ، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت ط1 ، 2006 صـ46

ليست هناك تعليقات:

الاستعارة والانحرافات المعرفية ـ قراءة في رواية فواز حداد تفسير اللاشيء

  في السرد الروائي نجد أنفسنا أمام مجموعة من الصور الكلية التي تصنع استعارات بلاغية مختلفة في الشكل عن المفهوم البلاغي المتعارف عليه في ك...