الأربعاء، 28 نوفمبر 2018

رسالة مفتوحة إلى الصديق كوكب حمزة


رسالة مفتحة إلى الصديق كوكب حمزة.




ليست رسالة عتب كما أنها ليست رسالة لوم إنما هي كلمات من قلب شعر للحظة أن يداً معدنية تعصر قلبه وعندما نظر صاحب القلب إلى وجه صاحب اليد وجده أحد الأصدقاء الأعزاء جداً.
أحببت كوكب حمزة كثيراً في أول لقاء جمعني به عند الصديق الأجمل إسماعيل فهد إسماعيل ، كان ذلك قبيل سقوط طاغية العراق صدام حسين حيث كانت الكويت تستقبل يومها الكثير من وجوه المعارضة العراقية خاصة ممن كانوا قد حصلوا على جنسيات أوربية وتزايد هذا الأمر بعد سقوط بغداد . في تلك الأيام كان إسماعيل فهد من حيث كونه ( صاحب النصيفة  ) _فنصفه عراقي والنصف الثاني كويتي_ يلعب دور الوسيط دون تكليف رسمي لتطبيع العلاقة بين الشعبين الكويتي والعراقي، في تلك الأثناء كان العراقي صاحب حلم، كان ضحية استبداد وكان ينجذب إلى من يناصره تماماً كما نفعل نحن السوريين اليوم.
يومها غنى كوكب ياطيور الطايرة بصوته وتلك حالة نادرة أن يغني كوكب وهو من يحمل على كاهليه إرث العراق الغنائي، فثلث الأغاني العراقية التي كنا ومازلنا نستمتع بها كانت من ألحانه، ومع توالي لقاءاتي به في الأعوام التالية في بيت إسماعيل أو في مكتبه أو في دمشق ذات أمسية من أمسيات بيت القصيد كانت محبتي لكوكب تتعزز وتزداد حتى في لقاءاتنا الأخيرة في الكويت العام الفائت كان كوكب يزداد قرباً من القلب ، لماذا كنت تقترب من القلب كثيراً ياصديقي؟
أحببتك ملحناً، أحببتك صديقاً ثائراً ضد الظلم والتخلف، أحببتك عراقياً في وقت تخلى الكثير من العراقيين عن عراقيتهم، أحببتك باحثاً عن الجمال في عالم يسوده القبح. أحببتك محباً لسوريا بل عاشقاً لها.
في آخر سهرة في بيت الصديقة حنان الغربي أتيت بك من بيت صديقنا الأجمل إسماعيل الذي حذرني من التدخين بحضورك وأخبرني بمدى مرضك الجسدي، وقد عملت بتحذيرات أبي فهد، حكيت لي في الطريق عن رحلتك إلى سوريا وزيارتك لحبيبة قلبك اللاذقية ومنها إلى مدينة الجميلين ( السلمية)، في السهرة عبرت لي عن شوقك لسوريا حتى أشعرتني أنك سوري ، عبرت لي عن رغبتك العارمة بأن تقضي أواخر أيامك في دمشق وعن قرارك بالعودة إلى دمشق في تلك اللحظة بالذات لم أشعر بك عراقياً شعرتك شآمياً من دمي ولحمي. لكني قلت في نفسي يستطيع الذهاب إلى وطني المحتل دونما خوف فهو في نهاية الأمر عراقي، لن تعتقله مخابرات طاغية الشام ولن يتعرض له أحد بأذى ولا ضير أن يتعافى من مرض الحنين الذي سيقضي عليّ أنا السوري ذات يوم. وذهبتَ. واستقبلتْكَ دمشقُ  وربما شعرتُ أنا بشيء من الطمأنينة عندما استقبلك أخو الشهيد الشاعر والروائي الجميل والذي بكل تأكيد يعرف من اغتال أخاه في بيته بعيداً عن رواية مخابرات طاغية الشام. هل تعافيت يا صديقي من مرض الحنين؟ وهل تلاشت أشواك الشوق من قلبك؟ هل شممت ريح دمشق فارتد إليك بصرك؟ فقميص دمشق يا صديقي كقميص يوسف، الفارق فقط أن يوسف لم يكن في الجب عندما شمّ أبوه قميصه في حين أن دمشق ماتزال غارقة في مياه الجب الآسنة. فلماذا استبدلت بصيرتك ببصرك؟ ولماذا مددت يدك المعدنية من شاشة طاغية الشام لتعتصر قلبي؟ هل صدقتهم حقاً عندما قالوا لك أنت (أعز الناس)؟ سأخبرك بسر صغير ياصديقي أظنك تعرفه أكثر مني. هم لم ينظروا إلى كوكب حمزة الملحن فالغناء لا يعنيهم في شيء وأنت تدرك هذا، وربما عرفت المذيعة كوكب حمزة فقط من خلال جوجل أثناء إعدادها للبرنامج وعرفت أنك الملحن المشهور، قبل ذلك أنت بالنسبة لهم أحد العراقيين الذين أسهموا ببقاء طاغيتهم على كرسيه هم فقط يتملقون مجموعة الميليشيات التي باتت تحتل جانباً كبيراً من البلد، البلد الذي اضطرك شبيهه للهجرة، البلد الذي أجبر أشباهك من أبنائه للهجرة وعرضهم لكل أنواع القتل.
أذكر أني وقفت موقفاً حازما من زيارة رغدة وأمثالها للعراق، واذكر مواقف أحرار العراق من هذه الزيارة فهل كانت رغدة وأصحابها على حق في حينها أم أن لك رأياً آخر في سؤال البصيرة؟
تبقى سوريا بلدك ياصديقي لكن مكانتك تجدها في قلوب السوريين وليس على شاشة طاغيتهم. يؤلمني كثيراً أن يكتب التاريخ أن كوكب حمزة كان من أوائل المطبعين مع نظام القتل والإجرام.
يؤلمني كثيراً أن أراك على شاشة كانت وما تزال لسان حال القتلة والمجرمين، هم بحاجة أمثالك من النبلاء لتبييض صفحتهم ، هم بحاجة ماسة لأمثالك من الشرفاء كي يزيد رصيدهم قليلاً بين البشر أما أنت فما حاجتك إليهم؟ وأنت الزاهد بالإعلام والشهرة. ماحاجتك إليهم وأنت الغني بما لديك من رصيد إنساني وفني. يؤلمني كثيراً ياصديقي أن تحتفل بك شاشة طاغية كانت وماتزال أداة جريمة بيد مجرم . أما رأيت بعينك وأنت تدخل ردهات المبنى آثار الدماء وأشلاء القتلى ؟ أما تعثرت بجثة أخي وطفلته ومليوناً من الشهداء وأنت تخطو باتجاه الاستديو؟ كيف استطعت العبور إلى الكاميرا وسط ركام مئات آلاف البيوت المهدمة على ساكنيها؟ وعندما خرجت من المبنى ألم تمنح السماء التفاتة صغيرة كي ترى بأم عينيك ملايين الطيور الطايرة وهي تهرب من الموت؟
كل ما أرجوه وآمله ياصديقي ألا تقول لي في لقائنا القادم _إن صدف وحدث_ أن السوريين هم من دمر البلد وأن جيش النظام قد حافظ عليه من التقسيم وأن الثورة ثورة إرهابيين لأنك إن فعلت سأؤمن حقاً أن الفن يمكن أن يكون مخادعاً وأن النخب الثقافية يمكن أن تكون بألف وجه وسأعترف أني ضحية تقية وأن من كنت أسميه صديقي ليس أكثر من يد معدنية باردة تتخفى بقفاز حريري ناعم، تحينت فرصتها لتستمتع بعصر قلبي.
عبد الرحمن حلاق
رابط المقال على موقع حرية برس :
https://horrya.net/archives/83064?fbclid=IwAR2Ia7lHrdVV3IdDPaWh3ys36lr1lgF5X2Gj7v40fI4euN-YP8GLqOkiYXQ

الثلاثاء، 13 نوفمبر 2018

أوهام الخلافة الإسلامية




اعتقد كثيرٌ من المسلمين على المستوى الشعبي وجميع الفصائل الإسلامية على المستوى العسكري بأن الطريق إلى دولة إسلامية تعيد أمجاد الماضي بات سالكاً، فالأمر ممكن من وجهة نظرهم فيما لو أخلصوا النية وأخذوا بالأسباب وأعدوا ما استطاعوا من قوة تمكنهم من ذلك، مستندين إلى مجموعة نصوص قرآنية تساعدهم على تشكيل حشد واسع من المجاهدين الذين ينتظرون جنة الله بعد الشهادة، وليقطعوا ألسنة المرجفين والمحبطين تراهم يعقدون المقارنات بين حال العرب والفرس والروم في ذلك الزمن بحالهم اليوم مع أمريكا وبقية دول الغرب. متجاهلين تماماَ تغيرات الظرف التاريخي وتقدم العلم والتكنولوجيا، غير عابئين بما تم انتاجه من أسلحة ذكية وأخرى قادرة على تدمير الأرض ثلاث عشرة مرة، والأهم من كل ذلك غير مدركين للمواقف الحقيقية للمنظومة الدولية التي فاجأت توقعات الجميع بتخليها عن مجمل المفاهيم الأخلاقية الإنسانية. وما بين انسياق البسطاء لهذا الوهم وبين تخطيط خبثاء العالم لتدمير الثورة السورية عبر صناعة عدو متطرف ضاعت أرواح أكثر من مليون إنسان وتهجر أكثر من عشرة ملايين إنسان مع دمار شامل للأرض وما عليها، هل كان كل هذا الخراب ضرورياً ليقتنع عامة الناس أن استعادة المجد التليد وهم لا أكثر، وأن الأمر برمته لا يغدو أكثر من كونه شعاراً الهدف منه التحشيد والتجييش فقط، ولو أن الفصائل الإسلامية وأصحاب الفكر الجهادي كانوا بالفعل إسلاميين وبالفعل يريدون إعادة مجد الأمة الإسلامية لكانوا في الحد الأدنى تكاتفوا لتشكيل جيش واحد بقيادة واحدة، وبأهداف واحدة.
منذ سنوات الثورة الأولى وألسنة الشرفاء تطالب بتوحد الفصائل ولكن لا حياة لمن تنادي، فالقادة لا يستطيعون التخلي عن موارد المال خاصة وأنهم اكتشفوا مبكراً ما تدره هذه الثورة من خير عليهم فتشبثوا بمواقعهم واستبدلوا كلمة ثائر بكلمة مجاهد وكلمة مقاتل بكلمة مرابط ولم يعترضوا على تسمية من هم ضد الاستبداد بالمعارضة بدلاً من ثوار، ولم يتوانوا عن تصفية الشرفاء بينهم ومع كل ما عاينه الناس من شرورهم إلا أن لا أحداً من هؤلاء الناس أراد تغيير الواقع الجديد أو الاعتراض عليه فظل بسطاء الناس مقتنعين بفكرة تحكيم شرع الله  وأن هذا التحكيم هو سبيل نجاة دون أن يفكر أحدهم للحظة بخطر تعدد هذه الفصائل بل إن الكثيرين التمسوا لها المبررات التي لا تقنع أحداً، خاصة وأن هذه الفصائل كانت عندما تريد أن تخوض معركة تقوم بتشكيل غرفة عمليات واحدة، لكن قبل الاتفاق على تشكيل هذه الغرفة كانوا يستغرقون أياماً وأسابيع للاتفاق على الغنائم _علماً أن هذه الغنائم هي ملكية عامة للشعب_ ولا تبدأ المعركة إلا وكل فصيل يعرف ما سيغنمه منها، وللمقاتلين شرف الشهادة أو النصر.
في ظل السياسة الإعلامية القذرة للمنظومة العالمية ثمة سعي دائم ومدروس لشيطنة الإسلام السني حصراً وربطه بشكل مباشر بالإرهاب، وكي يقتنع الرأي العام العالمي بهذا الوضع كان لابد من تصنيع هذا العدو وإفساح المجال له كي ينمو ويترعرع، ولذلك لم يكن من باب المصادفة و الخطأ أن يُسقط الطيران الأمريكي عبر مظلاته السلاح في مناطق داعش بدل مناطق الأكراد، ولم يكن ضعفاً في الجيش العراقي أن ينسحب من الموصل أمام داعش تاركاً لهم الملايين في البنوك والآلاف من سيارات الدفع الرباعي اليابانية والجديدة وغير ذلك كثير، وليس من باب النصر والهزيمة أن ينسحب الجيش الأسدي من تدمر مرتين تاركاً لداعش مخازن أسلحته، والأمثلة على ذلك كثيرة، وثمة ألف سؤال حول توقف الطيران الأسدي عن قصف المناطق التي تحتلها جبهة النصرة. لقد وجدت المنظومة العالمية أن تصنيع هذا العدو في بيئته أمر في غاية السهولة خاصة بوجود رئيس ألعوبة كبشار الأسد وفي دولة استبدادية يأتي فيها الفساد في مقدمة الخطط التنموية في وقت كان فيه الشعب السوري مجرد لاعب شطرنج مبتدئ فُرض عليه أن يقارع أبطال العالم في هذه اللعبة، ورغم ذلك كان هذا الشعب كلما أحرز تقدماً واقترب من نصره يزجون له بلاعب خطوته الأولى تلقيم المسدس.
لقد كان لهم ما أرادوا وانتشرت الفصائل الإسلامية المتطرفة بأجندات خارجية بالمطلق وبشعار واحد تحكيم شرع الله وإقامة دولة الخلافة والعدل، بفضلهم تم القضاء على فصائل الجيش الحر وتم إقصاء أي ناشط لا يشاركهم الرأي أولا يسكت عن فسادٍ يقومون به مثل تفكيك سكة الحديد أو سرقة تجهيزات البنية التحتية وصار المبرر لتدخلات القوى العالمية أكثر منطقية فهذه القوى _إعلامياً_ مهمتها القضاء على الإرهاب، وقد أثبتوا ذلك للعالم عندما تم القضاء على داعش في الرقة وقبلها في الموصل، إذ لم تترك طائراتهم وصواريخهم البالستية حجراً على حجراً، وكأن أبناء الموصل والرقة هم الإرهابيون في حين تم نقل القيادات (الداعشية) بطائرات الهيلوكوبتر الأمريكية أو بباصات النظام المكيفة لأماكن أخرى، لقد فرح العالم وصفق كثيراً لهذه المهمة الإنسانية وغفر إجرام الإرهابي الأول الذي قتل أكثر من مليون إنسان وشرد نصف سكان الوطن. لم يكن شعار دولة الخلافة نصرة لشعب سوريا أو لأطفال بلاد الشام وإنما نصرة لحاكم مستبد رضي على نفسه أن يكون أداة تنفيذية فرَهَنَ وطناً كاملاً في أسواق النخاسة العالمية، ووضع نفسه في خدمة الإيراني والروسي مقابل أن يبقى رئيساً. ساعده في ذلك تنظيم الأخوان المسلمون الذي ظنّ أنه بتنقلاته بين أحضان ( روسيا وإيران وتركيا والسعودية وقطر ) إنما يلعب سياسة، وأنه بهيمنته على هيئة التفاوض والائتلاف إنما يحقق دولة الخلافة الإسلامية.

عبد الرحمن حلاق

الاستعارة والانحرافات المعرفية ـ قراءة في رواية فواز حداد تفسير اللاشيء

  في السرد الروائي نجد أنفسنا أمام مجموعة من الصور الكلية التي تصنع استعارات بلاغية مختلفة في الشكل عن المفهوم البلاغي المتعارف عليه في ك...