الاثنين، 15 أكتوبر 2018

من الفتوى إلى الترقيع


عندما انتشر على صفحات التواصل رسمٌ كاريكاتوري لامرأة ترمز للثورة السورية وفي ظهرها عشرات السكاكين تمثل طعنات الغدر من الدول والفصائل المختلفة نسي الرسام أن يضيف سكيناً يكتب عليها (الشرعي). فهذه الشخصية لعبت دوراً تدميرياً للثورة السورية يحقق بصورة واضحة مقولة الغزالي: لا أخطر على الإسلام من مسلم جاهل. وقد تجسد هذا المسلم الجاهل خير تجسيد في دور هذا الشرعي الذي توالد مع الفصائل توالد الفئران في مخازن الطعام. فأعطى صورة بائسة جداً عن الإسلام كدين وساهم في هزيمة الثورة مساهمة فعالة. فكيف ولد الشرعي؟ وكيف امتطى ظهر الثورة؟ ومن مكّنه من ذلك؟
بعد انتهاء المرحلة السلمية من الثورة السورية وبدايات ظهور الكتائب المسلحة التي بدأت تفرض سطوتها رويداً رويداً على المناطق التي تخرج عن سيطرة النظام، بدأت الحاجة ملحة لحل المشكلات الجديدة، ومع تغييب الجيل الأول من الثوار أصحاب الفكر المدني وإخراجهم من المشهد إما عن طريق النظام أو عن طريق أصحاب الفكر الديني لم يبق إلا أئمة المساجد وبعض المتدينين، في هذه المرحلة ولد الشرعي الذي بدأ يفتي في أمور الجهاد والغنائم وبقية أمور الحياة، ومع تدفق المال وتدفق المهاجرين تدفق إلى الساحة أيضاً عدد كبير من الدعاة والشرعيين، ومع نمو الكتائب إلى فصائل وألوية وجيوش وفيالق كان كثير من الشرعيين الصغار يكبرون مع قادتهم، وبدلاً من أن يوجهوا أعداد قليلة صاروا يوجهون آلاف المقاتلين.
أجابني أحد المقاتلين عندما سألته لماذا تركت القتال فقال: كنت مرابطاً مع مجموعة من الشباب بانتظار لحظة الهجوم لكن قائد الكتيبة بقي يؤخر هذه اللحظة بانتظار مجيء الشرعي (أبو هريرة) ليلقي كلمة بالمقاتلين وقد طال انتظاره كثيراً ولما حضر ورأيته انهارت في ذهني الصورة التي ركبها خيالي له فقد كان شاباً لا يتجاوز من العمر الثامنة عشر حتى أن لحيته لم تكتمل بعد، عندئذ تركت لقائد الكتيبة بارودتي وقلت له : لم تعد هذه المعركة معركتي.
تلخص هذه القصة نوعية الشرعي وفقره العلمي بالمهمة الموكلة له خاصة وأنه مع ازدياد الفصائل وازدياد أعداد المقاتلين صارت الحاجة ماسة لازدياد أعداد الشرعيين ولذلك صار الشخص يخضع لدورة شرعية مدتها لا تزيد عن ثلاثة أشهر ليصبح بعدها من أصحاب الحل والعقد، وقد أسهم دخول الأجانب بتكريس هذه الشخصية بشكل فعال خاصة وأن عدداً لا بأس فيه منهم كان له تجاربه الخاصة في أفغانستان والعراق وله معارف كثر من الداعمين في الخليج وغالبيتهم العظمى أخذ علمه من دورة سريعة أو في السجن عند شيخ سجين كأبي اليقظان المصري الذي أفتى لعناصر النصرة بقتل عناصر أحرار الشام بطلقة في الرأس. أما الدارسون المتخصصون فلا يتجاوزون عدد أصابع اليد الواحدة.
لقد كانت ولادة الشرعي نتاج فكر ديني استشعرَ حاجة بسطاء الناس للفتوى ولعبَ على المشاعر الدينية عندهم، خاصة وأن شعارات الثورة قد تم استبدالها من حرية وكرامة إلى (نصرة دين الله) ولذلك أخذ هذا الشرعي مكانته بين الناس فصار يوجه المجاهدين ويحل ويربط في مشاكل الناس ويسهم في استبعاد حتى الحقوقيين وأهل القانون وشكلوا دور قضاء خاصة بعيداً عما يسمونه بالقانون الوضعي، ولأنهم في غالبيتهم ليسوا من أصحاب الاختصاص فقد انضووا تحت إمرة قائد الفصيل وكرسوا مفاهيم الولاء الأعمى لأمير الجماعة وبدؤوا بتحريم ما يحرمه الأمير وتحليل ما يحله، وبذلك ضمن الكثير منهم مواقعهم لدى القادة والأمراء فقتال أخوة المنهج حرام وقتال أفراد الشعب حلال، وعند المواجهة بين الفصيلين فكلاهما مفسد في الأرض حتى غدا الشعب السوري كله متهماً بالردة وكفرت الفصائل بعضها بعضاً، وبذلك خُلقت البيئة التي أرادها بشار الأسد تماماً والتي من خلالها يستطيع أن يبرهن للعالم أنه يقاتل إرهابيين، وقد مكنه ذلك من القضاء على ما سماه الحاضنة الشعبية للإرهاب فقتل ما يزيد عن المليون إنسان وهدم بيوتهم وشرد لا يقل عن عشرة ملايين مواطن دون أن يطلق رصاصة واحدة على جبهة النصرة أو يلقي برميلاً متفجراً على أحد مقرات داعش، لقد تخلص بشار الأسد من عدوه الحقيقي (الشعب السوري) بفضل السياسات الفصائلية. والتي لعب فيها الشرعيون دوراً لا يستطيع أحد نكرانه ولم يتراجع هذا الدور إلا في فترة متأخرة عندما بدأت الفصائل تكبر وتقوى وتختلف وهنا اقتصر دور الكثير من الشرعيين على فض الخلافات والتوفيق بين المختلفين، وإذا كانت جبهة النصرة في بدايتها قد أعطت أذنا صاغية للهيئة الشرعية بهدف كسب الحاضنة الشعبية فإنها اليوم تعتبر أن مهمة الشرعيين ودورهم ينحصران فقط في (الترقيع والتبعية لأمير الجماعة) هكذا بالحرف كما ورد على لسان المغيرة أمير قاطع إدلب في إحدى التسريبات المسجلة التي ينصح فيها (أبا طلحة سفيرة) أمير البادية الشمالي ببناء نواة صلبة كجيش النصرة قاطع إدلب ذو الولاء الأعمى للمغيرة يوالي من يواليه ويعادي من يعاديه.
بذلك يكون الشرعي قد لعب دور المحلل لقادات الفصائل الذين تحولوا إلى أمراء حرب وزعماء عصابات لا أكثر. وما عليه سوى أن يرقع لهم أخطاءهم ويحلل لهم جرائمهم.
عبد الرحمن حلاق

https://www.syria.tv/content/%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%88%D9%89-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D9%82%D9%8A%D8%B9

ليست هناك تعليقات:

الاستعارة والانحرافات المعرفية ـ قراءة في رواية فواز حداد تفسير اللاشيء

  في السرد الروائي نجد أنفسنا أمام مجموعة من الصور الكلية التي تصنع استعارات بلاغية مختلفة في الشكل عن المفهوم البلاغي المتعارف عليه في ك...