الثلاثاء، 13 نوفمبر 2018

أوهام الخلافة الإسلامية




اعتقد كثيرٌ من المسلمين على المستوى الشعبي وجميع الفصائل الإسلامية على المستوى العسكري بأن الطريق إلى دولة إسلامية تعيد أمجاد الماضي بات سالكاً، فالأمر ممكن من وجهة نظرهم فيما لو أخلصوا النية وأخذوا بالأسباب وأعدوا ما استطاعوا من قوة تمكنهم من ذلك، مستندين إلى مجموعة نصوص قرآنية تساعدهم على تشكيل حشد واسع من المجاهدين الذين ينتظرون جنة الله بعد الشهادة، وليقطعوا ألسنة المرجفين والمحبطين تراهم يعقدون المقارنات بين حال العرب والفرس والروم في ذلك الزمن بحالهم اليوم مع أمريكا وبقية دول الغرب. متجاهلين تماماَ تغيرات الظرف التاريخي وتقدم العلم والتكنولوجيا، غير عابئين بما تم انتاجه من أسلحة ذكية وأخرى قادرة على تدمير الأرض ثلاث عشرة مرة، والأهم من كل ذلك غير مدركين للمواقف الحقيقية للمنظومة الدولية التي فاجأت توقعات الجميع بتخليها عن مجمل المفاهيم الأخلاقية الإنسانية. وما بين انسياق البسطاء لهذا الوهم وبين تخطيط خبثاء العالم لتدمير الثورة السورية عبر صناعة عدو متطرف ضاعت أرواح أكثر من مليون إنسان وتهجر أكثر من عشرة ملايين إنسان مع دمار شامل للأرض وما عليها، هل كان كل هذا الخراب ضرورياً ليقتنع عامة الناس أن استعادة المجد التليد وهم لا أكثر، وأن الأمر برمته لا يغدو أكثر من كونه شعاراً الهدف منه التحشيد والتجييش فقط، ولو أن الفصائل الإسلامية وأصحاب الفكر الجهادي كانوا بالفعل إسلاميين وبالفعل يريدون إعادة مجد الأمة الإسلامية لكانوا في الحد الأدنى تكاتفوا لتشكيل جيش واحد بقيادة واحدة، وبأهداف واحدة.
منذ سنوات الثورة الأولى وألسنة الشرفاء تطالب بتوحد الفصائل ولكن لا حياة لمن تنادي، فالقادة لا يستطيعون التخلي عن موارد المال خاصة وأنهم اكتشفوا مبكراً ما تدره هذه الثورة من خير عليهم فتشبثوا بمواقعهم واستبدلوا كلمة ثائر بكلمة مجاهد وكلمة مقاتل بكلمة مرابط ولم يعترضوا على تسمية من هم ضد الاستبداد بالمعارضة بدلاً من ثوار، ولم يتوانوا عن تصفية الشرفاء بينهم ومع كل ما عاينه الناس من شرورهم إلا أن لا أحداً من هؤلاء الناس أراد تغيير الواقع الجديد أو الاعتراض عليه فظل بسطاء الناس مقتنعين بفكرة تحكيم شرع الله  وأن هذا التحكيم هو سبيل نجاة دون أن يفكر أحدهم للحظة بخطر تعدد هذه الفصائل بل إن الكثيرين التمسوا لها المبررات التي لا تقنع أحداً، خاصة وأن هذه الفصائل كانت عندما تريد أن تخوض معركة تقوم بتشكيل غرفة عمليات واحدة، لكن قبل الاتفاق على تشكيل هذه الغرفة كانوا يستغرقون أياماً وأسابيع للاتفاق على الغنائم _علماً أن هذه الغنائم هي ملكية عامة للشعب_ ولا تبدأ المعركة إلا وكل فصيل يعرف ما سيغنمه منها، وللمقاتلين شرف الشهادة أو النصر.
في ظل السياسة الإعلامية القذرة للمنظومة العالمية ثمة سعي دائم ومدروس لشيطنة الإسلام السني حصراً وربطه بشكل مباشر بالإرهاب، وكي يقتنع الرأي العام العالمي بهذا الوضع كان لابد من تصنيع هذا العدو وإفساح المجال له كي ينمو ويترعرع، ولذلك لم يكن من باب المصادفة و الخطأ أن يُسقط الطيران الأمريكي عبر مظلاته السلاح في مناطق داعش بدل مناطق الأكراد، ولم يكن ضعفاً في الجيش العراقي أن ينسحب من الموصل أمام داعش تاركاً لهم الملايين في البنوك والآلاف من سيارات الدفع الرباعي اليابانية والجديدة وغير ذلك كثير، وليس من باب النصر والهزيمة أن ينسحب الجيش الأسدي من تدمر مرتين تاركاً لداعش مخازن أسلحته، والأمثلة على ذلك كثيرة، وثمة ألف سؤال حول توقف الطيران الأسدي عن قصف المناطق التي تحتلها جبهة النصرة. لقد وجدت المنظومة العالمية أن تصنيع هذا العدو في بيئته أمر في غاية السهولة خاصة بوجود رئيس ألعوبة كبشار الأسد وفي دولة استبدادية يأتي فيها الفساد في مقدمة الخطط التنموية في وقت كان فيه الشعب السوري مجرد لاعب شطرنج مبتدئ فُرض عليه أن يقارع أبطال العالم في هذه اللعبة، ورغم ذلك كان هذا الشعب كلما أحرز تقدماً واقترب من نصره يزجون له بلاعب خطوته الأولى تلقيم المسدس.
لقد كان لهم ما أرادوا وانتشرت الفصائل الإسلامية المتطرفة بأجندات خارجية بالمطلق وبشعار واحد تحكيم شرع الله وإقامة دولة الخلافة والعدل، بفضلهم تم القضاء على فصائل الجيش الحر وتم إقصاء أي ناشط لا يشاركهم الرأي أولا يسكت عن فسادٍ يقومون به مثل تفكيك سكة الحديد أو سرقة تجهيزات البنية التحتية وصار المبرر لتدخلات القوى العالمية أكثر منطقية فهذه القوى _إعلامياً_ مهمتها القضاء على الإرهاب، وقد أثبتوا ذلك للعالم عندما تم القضاء على داعش في الرقة وقبلها في الموصل، إذ لم تترك طائراتهم وصواريخهم البالستية حجراً على حجراً، وكأن أبناء الموصل والرقة هم الإرهابيون في حين تم نقل القيادات (الداعشية) بطائرات الهيلوكوبتر الأمريكية أو بباصات النظام المكيفة لأماكن أخرى، لقد فرح العالم وصفق كثيراً لهذه المهمة الإنسانية وغفر إجرام الإرهابي الأول الذي قتل أكثر من مليون إنسان وشرد نصف سكان الوطن. لم يكن شعار دولة الخلافة نصرة لشعب سوريا أو لأطفال بلاد الشام وإنما نصرة لحاكم مستبد رضي على نفسه أن يكون أداة تنفيذية فرَهَنَ وطناً كاملاً في أسواق النخاسة العالمية، ووضع نفسه في خدمة الإيراني والروسي مقابل أن يبقى رئيساً. ساعده في ذلك تنظيم الأخوان المسلمون الذي ظنّ أنه بتنقلاته بين أحضان ( روسيا وإيران وتركيا والسعودية وقطر ) إنما يلعب سياسة، وأنه بهيمنته على هيئة التفاوض والائتلاف إنما يحقق دولة الخلافة الإسلامية.

عبد الرحمن حلاق

ليست هناك تعليقات:

الاستعارة والانحرافات المعرفية ـ قراءة في رواية فواز حداد تفسير اللاشيء

  في السرد الروائي نجد أنفسنا أمام مجموعة من الصور الكلية التي تصنع استعارات بلاغية مختلفة في الشكل عن المفهوم البلاغي المتعارف عليه في ك...